آراء النقاد


انها مرثية لعالم مثخن بالمجازر والكوابيس والفراغ الذي يطحن الموجودات. فالصحراء التي يقطعها البطل بعد نجاته من دمار السجن وإحراقه هي الخلفية الدائمة لحاضر عبد الجليل التائه في برية العالم وخرائبه. والرواية برمتها تدور في فلك ذلك الخواء الذي يلتهم خطى البشر ويجعل أعمارهم ومصائرهم عرضة للتلف والضياع. اما الذاكرة فليس فيها، باستثناء ومضات الحب والجنس القليلة، سوى روائح الموت وفظاعات السلطات الجائرة وأنظمة الحكم التي لا تتقن سوى القمع والترهيب وكم الأفواه والقتل الجماعي. هكذا يجد البطل نفسه امام مكان مفتوح وأفق مغلق...


سيف الرحبي، حافة النسيان، الاتحاد

في هذه الرواية – القصيدة، يذهب أحمد علي الزين بعيداً بعد روايتيه (خربة النواح) و(معبر الندم) في تعميق رؤيته للوجود والعالم ، وصقل أدواته الفنية التي يأتي التأمل في مقدمتها جارفاً مسار السرد إلى مهاوي المكان وغوامض النفوس المضطربة حيث البشر ،والمكان ،الصحراء ، يشكلون كتلة واحدة بمرايا متعددة لهذا العالم المخيف حقاً ..
يتأمل الرواي في المكان كما في البشر ، في أعماق المرآة المضرجة لهذا الوجود الواحد والمبعثر في الوقت نفسه . تسوقه تأملاته وتداعياته إلى مناطق الشعر ورهافة المخيلة الجريحة...
أحمد التيهاني، "روافد الزين" ليس بين مذيع ومثقف، الوطن

"روافد الزين" ليس حواراً مع مثقّف أو مفكر وحسب، وإنّما هو حوار مع إنسان يفكر ويطرح ويؤثر ويبدع، ويضيف إلى التجربة الإنسانية، وإلى العقول، والوجدانات، وفوق ذلك فإن الضيف يبقى كالبسطاء الطيبين، ويعيش كما يعيش الإنسان، أيّ إنسان، ولذا فإن "روافد" ليس حواراً بقدر ما هو حياة في حياة ضيوف أحمد علي الزين، ورحلة إلى عوالمهم وأزمنتهم وطقوسهم وحقيقتهم. "روافد الزين" يذكرني ـ في كل حلقة ـ بكتاب "باشلار" عن شاعرية المكان، ويعيدني إلى تلك النظرية التي لم نستثمرها، نحن العرب، في تجلية العلاقة بين المبدعين وأماكنهم، أو بين الإبداع ومكان المبدع...

لا ادري ربما هذا العمل قد يصبح في خمسة أجزاء أو أقل، وكنت في البداية قد اخترت له عنوان «مسرات واوجاع عبد الجليل الغزال»، وهو عنوان يشير الى مضمون الرواية، لكني وجدت عنوانا شبيها عند الروائي الراحل فؤاد التكرلي. ثم، ان ينهال الكاتب على القارئ بالف صفحة دفعة واحدة فأظنه امرا غير محبب ويفسد المتعة ويجعل القارئ متريثا ومنكفئا امام الف صفحة، ويفضل البدء بما هو اقل.. وثالثا، انا لا أخضع نفسي لشروط ومعايير جاهزة عندما اكتب, ولا اعرف اين ستأخذني أهواء الشخصيات ومصائرها، وبخاصة ان التيه هو المتحكم بمسار بطل الرواية...
إذا كان الراوي والكلب والصحراء شخصيات تنتمي الى حقل الوقائع في الرواية، فثمة شخصيات أخرى أقل حضوراً تنتمي الى حقل الذكريات كالسجانين والسجناء الذين قضوا في القصف والأهل الذين ماتوا. وهي شخصيات تحضر من خلال ذاكرة الراوي. ولعل أحمد علي الزين أراد أن يقول من خلال هذا التصنيف أن السجن والظلم وأدوات السلطة القمعية الى زوال، وأن المكان/ الصحراء باقٍ، وأن الطبع أقوى من التطبّع، وأن الحياة مستمرة وإن بساق واحدة، وأن الحرية قدر المظلومين وإن تمت بتدخل خارجي. ولعله يفعل ذلك بخطاب روائي متماسك، وبلغة سردية...

راسم المدهون، أميرلاي في روافد، الحياة

‎هي واحدة من الحلقات الأفضل، والأكثر أهمية من هذا البرنامج اللافت عموماً، والذي لا يزال واحداً من البرامج التلفزيونية القليلة بل التي تقارب هموماً إبداعية عربية تنأى عنها الفضائيات العربية عادة، خصوصاً أنه يقوم على إعداد يحترم المبدع الضيف، ويحترم عقل المشاهد وذوقه، بمزجه بين المعلومة وبين العرض الشيق الذي يتأسس على الحوار بين طرفين متكافئين وليس بين «مذيع» ومبدع. في اختصار لا نظن أن الراحل الكبير عمر أميرالاي، حضر في برنامج تلفزيوني آخر بهذا القدر من الإنصاف، كما حضر في «روافد»، خصوصاً أن...

ثمة تطوّر حسي وتحييد للجسدي إزاء النفسي يصل الى ذورته من خلال مسحة سوريالية تذكّر برؤى بيكاسو ودالي لتشتت الأطراف البشرية مجازا عن كون يمزّقه العنف. يكتب أحمد علي الزين بلسان راويه: "شتمتُ ساقي قلت لها كلاما نابيا"، وكأن طرفه السقيم صار غريبا عنه ويروق له تعنيفه لحمله آثار كبوته. من خلال مصفاة وعيه الباطني، يعترف الراوي بحقيقة مغادرة الزنزانة ولكن فقط ليُخضعها لمجهر التحليل ومنحها سياقا تاريخياً. ففصول الرواية التي تتلبس السيرة الذاتية، متلاصقة رغم تجوالها الزمني، وتتسلل بين فتات الومضات الشخصية، كأنها تنويعات...